روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | التوحيد أولاً ... لو كانوا يعلمون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > التوحيد أولاً ... لو كانوا يعلمون


  التوحيد أولاً ... لو كانوا يعلمون
     عدد مرات المشاهدة: 2084        عدد مرات الإرسال: 0

من أجل التوحيد بُني بيت الله العتيق، الذي رفع قواعده إبراهيم خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهما السلام، وما برح هذا البيت العتيق، يطاول الزمان، وهو شامخ البنيان في منعة من الله وأمان، تتعاقب الأجيال على حجه، ويتنافس المسلمون في بلوغ رحابه، ففي جواره التوحيد، وفي رحابه الأمن والخير والبركة: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً...}. {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ امِنًا وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلاْصْنَامَ*رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ...} [إبراهيم:35، 36].

لقد أُرسل المصطفى صلى الله عليه وسلم بنور ساطع، وضياء لامع، أضاء به الطريق وأوضح به السبيل، طهر الله به جزيرة العرب من رجس الوثنية، وهيمنة الأصنام، وكان كبير الأصنام هبل بأعلى مكة، وحوله ثلاث مئة وستون صنما، كلها من الحجارة، فطعن فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، حين دخوله الكعبة يوم الفتح، وهو يردد قول الله: {وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، وبعض المسلمين كان يردد: يا عزى كفرانك لا غفرانك، إني رأيت الله قد أهانك.

وفي الحج أيها المسلمون، معانٍ كبيرة من معاني التوحيد، تمثلت في منع المشركين من دخول المسجد الحرام {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا} [التوبة:28]، وبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم سنة تسع، من ينادي: «ألَّا يطوف بالبيت عريان، وألَّا يحج بعد العام مشرك» متفق عليه.

وتمثل التوحيد في الحج، في رفع الأصوات بالتلبية ونفي الشريك عن الله -لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك- وبهذه التلبية، قضى المصطفى صلى الله عليه وسلم على تلبية أهل الشرك، التي كانوا يرددونها إبان حجهم ويقولون: -لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك- تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

لقد تمثل التوحيد في الحج في ركعتي الطواف، حين يقرأ المسلم في أولاهما بـ {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَـافِرُونَ} [الكافرون:1]، وفي الأخرى بـ {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، كما تمثل التوحيد في الحج أيضا، في خير الدعاء، وهو دعاء يوم عرفة حينما قال صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» رواه الترمذي.

وتمثل التوحيد في الحج فيما شرعه الله من ذكره وحده، يوم العيد وأيام التشريق {وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودٰتٍ} [البقرة:203]، {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200].

أيها الناس، إن التوحيد الخالص، هو لباب الرسالات السماوية كلها، وهو عمود الإسلام، وشعاره الذي لا ينفك عنه، وهو الحقيقة التي ينبغي أن نغار عليها، ونصونها من كل شائبة: {ولقد بعثنا في كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ} [النحل:36].

والطاغوت هو: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم، من يتحاكمون إليه من دون الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه ليس من طاعة الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء:60]، {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ} [البقرة:257]، {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ} [النساء:51].

عباد الله، على كلمة التوحيد الجليلة، بنى المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته، وأقام دعوته وشيد صرحها، وأنشأ جيلا يوحد الواحد الأحد، ويبرأ من كل الشركاء المزعومين، فكلمة التوحيد -لا إله إلا الله- هي الحادي الذي لا يمل نداؤه، ولا يتلاشى صداه، وعندما يرددها الموحد، فهو يقصد أمرين عظيمين:

أولهما: إحقاق الحق وإبطال الباطل، لأن معنى الكلمة: لا معبود بحق إلا الله، فكل ما خلا الله، فهو باطل، وما هو إلا وهم عقول مختلة، أو خداع حواس معتلة.

وثانيهما: ضبط السلوك البشري، داخل نطاق هذا التوحيد الخالص المنبثق من كلمة التوحيد، المشروطة بشروط سبعة، متمثلة في العلم بمعناها وهو أنه: لا معبود بحق إلا الله، ومتمثلة كذلك، في اليقين المنافي للشك، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المنافي للكذب، والقبول المنافي للرد، والإنقياد المنافي للترك، والمحبة المنافية للبغض، وبإجتماع ذلك، تتوحد العبادة بكل صورها، بحيث لا تكون إلا لله، فلا إستنصار إلا بالله، ولا توكل إلا على الله، ولا رغبة ولا رهبة، ولا خوف ولا رجاء إلا بالله ومن الله، ومن ثم، يشعر الموحد من أعماق قلبه، أن ما دون الله هباء، فلا تروعه سطوة ساط، ولا تخدعه ثروة غني، ويستحيل عنده أن يغلب الله على أمره، أو أن يقطع شيء دونه، فالتعلق بغير الله عجز، والتطلع إلى سواه ضلال وحمق، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأمْرُ كُلُّهُ فاعبده وتوكل عليه} [هود:123].

ومن هنا، يظهر الفرق شاسعا بين الموحد والمشرك، فالموحد عرف خالقه، فعبده حق عبادته، والمشرك مكفوف البصيرة، تائه عن ولي نعمته، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى.

أيها الناس، في القديم وفي الحديث، أولع بعض الناس بتعدد الآلهة وهي المعبودات، وتعدد الآلهة خرافة هزيلة، لفظها الإسلام بقوة، ونبذها نبذ المسافر فضلة الأكال، وتتبع أوهام الناس فيها وهما وهما، فكشف الظلمة ودحض الشبهة، ولا عجب، فالتوحيد الخالص، شعار الإسلام الأول، في ميدان الإعتقاد والعمل، به عرف، ومن أجله حورب، وعليه دار جدل طويل بين أهل الحق وأهل الباطل، فقال الله: لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد، {إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ *رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَـٰرِقِ} [الصافات:4-5]، {مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91].

إن التوحيد الخالص، هو أفضل طلبة، وأعظم رغبة، وأشرف نسبة، وأسمى رتبة، هو وسيلة كل نجاح، وشفيع كل فلاح، يُصيِّر الحقير شريفا، والوضيع غطريفا، يطول القصير، ويقدم الأخير، ويعلي النازل، ويشهر الخامل، ما شيد ملك عتيد إلا على دعائمه، ولا زال إلا على طواسمه، ما عزت دولة إلا بإنتشاره، ولا زالت إلا بإندثاره.

وإن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام، وأشد البلايا التي حلت بها، كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من تسلط من الأعداء، وتعجرف من تعجرف، وغار من غار على حياض المسلمين، وإستأصل شأفتهم، وإستباح حرماتهم، وأيَّم نساءهم، ويتم أطفالهم، إلا بسبب ضعف التوحيد، وما هجم التتار على ديار الإسلام، وفعلوا بهم ما فعلوا، إلا بفقد التوحيد، بل لقد بلغ ضعف التوحيد في النفوس مبلغا عظيما إبان الهجوم التتري لبلاد الإسلام، حتى لقد قال بعض المسلمين من الهلع والجزع: يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر، عوذوا بقبر أبي عمر ينجيكم من الضرر، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

أيها الناس، يعيش المسلمون في زمان، هرم خيره، شباب شره، نائم رشاده، صاحٍ فساده، قليل منصفه، كثير متعسفه، أفلت فيه شمس التوحيد ونجمه، ودجا فيه ظلام الشرك وظلمه، فتقدم متأخره، وتأخر متقدمه، تلاعبت بأهله الأهواء، ومزقت جماعتهم النِّحل والآراء، ركب كل منهم هواه، وكافح عما يحبه يرضاه، فاتخذ بذلك إلهه هواه، قصر فئام من الناس مع التوحيد، فصادموا المنقول، وخالفوا المعقول، فاخر ضُلاَّلُهم بما يبرزون من الضَّلاَل، ويبدعون من الزيغ، وصار الشجاع العاقل هو المجاهر بالغرائب والمصائب، والأديب الملهم هو الداعي إلى البدع المضلة، فعظم الويل، وإتسع الخرق، وإغتلم الداء، وأعوز الدواء.

هم قوم أزياؤهم أزياء الأناسي، وصورهم صور العقلاء، ونفوسهم نفوس العجماوات، وأخلاقهم أخلاق الطير، يتهافتون على الغفلة، تهافت الفراش على النبراس، ويأرزون إلى النقيصة، أرُوز الدود إلى الميتة، مع قرم وجعم، وإحتدام وضرم، بهؤلاء وأمثالهم، ولدت أم الغباء، وعقمت أم الذكاء، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَٱلانْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ} [الأعراف:179].

لقد ابتلي كثير من الناس بالجهل بالتوحيد، فإنحازوا إلى أصحاب القبور، والتجؤوا إليهم، وتضرعوا أمام أعتابهم، فقبلوها وتمسحوا بها، وإستغاثوا بأهلها في الشدائد والكروب، بل لقد كثر مروجوها والداعون إليها، من قبوريين ومخرفين، الذين يخترعون حكايات سمجة عن القبور وأصحابها، وكرامات مختلقة، لا تمت إلى الصحة بنصيب، والذين ينشدون القصائد الطافحة بالإستغاثات والنداءات، التي لا تصلح إلا لفاطر الأرض والسماوات، بل لقد طاف بعض الناس بالقبور كما يطاف بالكعبة المعظمة، وأوقفوا الأموال الطائلة على تلك الأضرحة، حتى إنه لتجتمع في خزائن بعض المقبورين، أموال تعد بالملايين، ولقد أحسن القائل:

أحياؤنا لا يُكْرَمُون بدرهم *** وبألفِ ألف يكرم الأموات

لقد قصر أناس مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، وإستولت عليهم الفتن والأدواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز، يعلقها عليه وعلى عياله، بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: {وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيء قَدُيرٌ} [الأنعام:17].

وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: «ما هذا؟» قال من الواهنة، فقال: «إنزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا» رواه أحمد بسند لا بأس به، ولأحمد أيضا، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له»، وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك».

وإن من المسلمين من قد إفتتن بالمشعوذين، والدجاجلة الأفاكين، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، بدعوى أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يسمى مجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا الناس على حد زعمهم، عما سيحدث في العالم، خلال يوم جديد، أو أسبوع سيطل، أو شهر أوشك حلوله، أو عام مرتقب، {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه الأربعة والحاكم.

وإن من الناس يا عباد الله، من هو مفتون بمستقبل الأبراج، فيمضي عاصب العينين، فاقد البصيرة، خلف قراء الأبراج، الذين يدعون أن السعادة كامنة في أصحاب برج الجدي، والغنى مستقر في أصحاب برج العقرب، أما أصحاب برج الجوزاء فيا لتعاسة الحظ وخيبة الأمل، إلى غير ذلك، من سيل الأوهام الجارف، والخزعبلات المقيتة: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ} [الطور:38]. {أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ*أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ*أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:41-43].

التوحيد هو حق الله على العبيد، وهو إفراد الله بالعبادة، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، والتوحيد هو دين الرسل، من أولهم وهو نوح عليه السلام، إلى آخرهم وخاتمهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أنكره، أو قصر في معرفته، فهو مزور كبير، ومبطل جريء. فيا ويح من تعلق بغير الله أو عبد معه غيره ورضي به، مما هو تراب فوق تراب، يا ويحه ماذا دهاه؟

إن أسلافه الأماجد، لم يقنعوا بهذا العالم كله مطلبا وغاية، حتى عقدوا من أسيافهم، وصالح أعمالهم درجات، يمتطون بها ثبج الهواء، ويشقون بها حواجز المادة الجافة، ليتصلوا بخالقهم ورازقهم. فما هذا التعلق والرضا بالتراب؟!

لقد كان المشرك الدنس، يتلقى لا إله إلا الله، فتتمشى فيه، فتعقم جسمه ونفسه، وتطهرها من معاني الشهوة والفسوق، فيروح ويغدو، كأنه ملك في أثواب إنسان، فما للمتعلق بغير الله ومساءلة الأطلال الفانية؟ {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} [الأنعام:122].

لقد كان الموحد يتلو قول الله: {أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ} [الزمر:36]. فيحمل سيفه المثلم، ورمحه المحطم، فيسايف الأبطال المغاوير، فيقذف نفسه في غمرات الجهاد، يطعن ويضرب، وصدره يعي هذه الآية، فما للمتعلق بغير الله، وخشية التراب؟

لقد كان الموحد يقرأ قول الله: {وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً} [الجن:18]، فتحول هذه الآية بينه وبين الخلق جميعا، وتسد عليه طريق الرغبة فيما عند العباد، فترى المصائب تمر به جميعا فلا يدل مخلوقا على مكان ألمه، ولا يكشف لغير الله عن موضع علته، ولا تسمع منه أذن مخلوقة قولة -آه- حتى لقد كان تسقط من أحدهم عصاه فلا يقول لأحد ناولنيها، كيف لا وقد بايعهم المصطفى صلى الله عليه وسلم على ألا يسألوا الناس شيئا كما في صحيح مسلم، فما لهذا المتعلق بغير الله، ودعوة الأموات والشكوى إلى الرميم والعظام النخرة؟

ويح من تعلق بغير الله أو رجا غيره! شرب المؤمنون صفوا، وشرب هو كدرا، ودعوا هم ربا واحدا، ودعا هو ألف رب {أأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ} [يوسف:39].

رفع المؤمنون أبصارهم إلى رب السماء، ونكس هو طرفه إلى الثرى، وأين الثرى من السماء، وأين عابد الأموات من عابد المحي الذي لا يموت، {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر:29].

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.